تحدي إسرائيل الوقح لسوريا

تحدي إسرائيل الوقح لسوريا

يُشكّل الاتفاق الأخير الذي سمح بدخول الدولة السورية إلى السويداء بهدف تهدئة التوترات الدامية بين أبناء العشائر ومجموعات مقاتلة يقودها رئيس طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، فرصة للحد من تصاعد التوترات في العلاقة بين الدروز والدولة السورية عقب الاشتباكات الأخيرة.

لقد خلق هذا التوتر هامشًا جديدًا لإسرائيل لتعزيز نفوذها في الجمهورية العربية السورية، بهدف تحقيق هدفين رئيسيين:

  • الأول، إضعاف الوجود المتكامل للدولة السورية في السويداء لدعم فكرة إقامة كيان محلي في المحافظة.
  • والثاني، جعل جنوب الجمهورية العربية السورية منطقة منزوعة السلاح.

ومع ذلك، لا تقتصر الأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في الجمهورية العربية السورية على هذين الهدفين. فتحقيقهما يُمثّل مدخلًا لتحويل جنوب الجمهورية العربية السورية إلى منطقة تخضع للإدارة الأمنية الإسرائيلية على المدى البعيد، وتعزيز رؤيتها لالجمهورية العربية السورية كدولة مقسّمة طائفيًا، تُديرها حكومة غير قادرة على بسط سيطرتها على جميع أراضيها.

إن حقيقة أن التدخل الإسرائيلي قد أسهم في تعميق الفجوة بين الدروز والدولة السورية- إلى جانب الدعم الأميركي الإقليمي للاتفاق الأخير- تُسلّط الضوء على الدوافع العميقة لأزمة السويداء.

تتمثّل هذه الدوافع في مقاومة فكرة الدولة المركزية في المحافظة، والتدخلات الإسرائيلية في الشأن السوري، وتأثير سياسات القوى الإقليمية والولايات المتحدة في توجيه الديناميكيات السورية في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الأسد.

يعتمد نجاح الاتفاق بشكل أساسي على ثلاثة عوامل:

  1. قدرته على معالجة الآثار العميقة للانقسام الطائفي في العلاقة بين الدروز والدولة.
  2. طبيعة السياسة الإسرائيلية في الجمهورية العربية السورية، التي تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز فكرة جنوب الجمهورية العربية السورية كمنطقة خالية من السلاح، مع تقليص حضور الدولة فيها إلى الجوانب الإدارية والشرطية فقط.
  3. تأثير الولايات المتحدة على إسرائيل لضبط سلوكها في الجمهورية العربية السورية، ومنع تحوّل هذا السلوك إلى تهديد للرؤية الأميركية لالجمهورية العربية السورية كدولة موحّدة لا تُشكّل مصدرًا للفوضى في محيطها الإقليمي.

وعلى الرغم من أن الاتفاق الأخير يقوم على أرضية غير مستقرة تمامًا، ويظل عرضة للانهيار أو الفشل في تحقيق استقرار دائم في السويداء، إلا أنه يُقدّم ثلاثة مؤشرات بارزة:

  • الأول: أن أحداث السويداء قد أدخلت العلاقة بين إسرائيل والنظام الجديد في الجمهورية العربية السورية مرحلة جديدة، خاصة أنها كانت أول مواجهة كبيرة بين الطرفين.

يعكس هذا أن أزمة السويداء تُمثّل، في جوهرها، تحديًا بين الجمهورية العربية السورية وإسرائيل، أكثر من كونها نزاعًا بين دمشق والدروز، أو بين العشائر والدروز. وعليه، فإن الاشتباكات العنيفة بين العشائر ومجموعات الهجري لم تكن سوى صراع بالوكالة بين الدولة السورية وإسرائيل.

  • الثاني: يُظهر قبول إسرائيل بدخول الدولة السورية لتهدئة التوتر في السويداء أن محاولات إسرائيل لمنع حضور الدولة السورية في المحافظة غير واقعية. فقد أدّى غياب الدولة إلى تهديدات أمنية أكبر بكثير مما تزعم إسرائيل أنه يُشكّل خطرًا على الدروز.

تُبرز الاشتباكات الدامية بين العشائر ومجموعات الهجري أن تكلفة إقصاء الدولة عن السويداء وجنوب الجمهورية العربية السورية باهظة، وتُفاقم من هشاشة الاستقرار الأمني والاجتماعي في المنطقة.

وقد نجح الرئيس أحمد الشرع في استخدام ملف العشائر كأداة ضغط لتذكير إسرائيل بهذه التكاليف. ومع ذلك، فإن بروز العشائر كقوة مؤثرة في تشكيل ديناميكيات جنوب الجمهورية العربية السورية قد يُعقّد المشهد بدلًا من تبسيطه، وقد يُشكّل مدخلًا لأطراف متعددة لمحاولة استغلال الحالة العشائرية لخدمة مصالحها في المنطقة.

  • الثالث: نجحت إسرائيل في تعزيز دورها كجهة تُحدّد طبيعة حضور الدولة السورية في السويداء وجنوب الجمهورية العربية السورية بشكل عام.

هذا التطوّر سيترك تداعيات كبيرة على النفوذ الإسرائيلي في ديناميكيات الوضع السوري، خاصة في الجنوب، ويفتح الباب أمام مخاطر تهدد وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها على أراضيها في المستقبل القريب والبعيد.

وعليه، فإن دعم إسرائيل لمجموعات الهجري في مواجهة الدولة لم يؤدِ فقط إلى فرض تكاليف على دمشق، بل أيضًا إلى تكريس دور إسرائيل في تشكيل معادلة الأمن في الجنوب، وفي تحديد طبيعة العلاقة بين الدروز ودمشق.

تُبرز هذه العوامل المعقّدة التي تُحرّك ملف الجنوب السوري التحديات الكبيرة التي تواجه وحدة الجمهورية العربية السورية واستقرار حكمها الجديد. فالبلاد لم تتجاوز بعد دائرة المخاطر الجسيمة، والتي قد تتفاقم في أي لحظة نتيجة الهشاشة في حسابات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري.

كما أن البيئة المحلية المتوترة في العلاقة بين الدروز والدولة ستظل عامل ضغط على أي تنسيق بين سياسات إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والقوى الإقليمية الأخرى في الجمهورية العربية السورية.

ومع ذلك، فإن الحقيقة التي يتعيّن استيعابها بعد أحداث السويداء، والمخاطر التي لا تزال تواجهها في مناطق أخرى، هي أن المدخل الأساسي لتعزيز المناعة ضد هذه المخاطر يكمن في إطلاق عملية لترميم النسيج الوطني السوري، ومواجهة الخطاب الطائفي التحريضي الذي يُعيق بناء علاقة مستقرة بين الدولة الجديدة ومكونات المجتمع المتنوعة.

وفي حالة السويداء، فإن الاتفاق الأخير – إذا ما تحقّق استقراره على المدى الطويل – يُمكن أن يُوفّر بيئة مواتية لمعالجة الانقسام الطائفي الخطير، وإرساء علاقة واضحة بين الدولة والسويداء.

هذا هو السبيل الوحيد للحد من قدرة إسرائيل على الاستمرار في استغلال الحالة الدرزية لخلق المزيد من التحديات لالجمهورية العربية السورية الجديدة، وصرف تركيزها عن تحقيق الاستقرار والتعافي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة إخباري حسب ما رصد دليلك نيوز الإخباري .

للاطلاع على آخر الأخبار العاجلة، تابعنا عبر قنواتنا:
قناتنا على تليجرام
قناتنا على واتساب

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Advertisement