أسواق دمشق القديمة… هوية تراثية تنبض بالحياة

أسواق دمشق القديمة… هوية تراثية تنبض بالحياة

دمشق-حسب ما رصد دليلك نيوز الإخباري

في قلب العاصمة السورية دمشق، تواصل الأسواق القديمة أداء دورها التاريخي كمراكز نابضة بالحياة، تجمع بين روح التراث وألق التجارة، فمنذ قرون، شكّلت هذه الأسواق شرايين المدينة الاقتصادية، ومرآة هويتها الثقافية، حيث تتوارث الأجيال عبق الحارات المسقوفة، والدكاكين التي تروي تفاصيل التبادل والصناعة والتعايش الحضاري.

أسواق دمشق ذاكرة تاريخية حيّة

يرى الباحث في التراث هشام عدرة أن أسواق دمشق ليست مجرد فضاءات تجارية، بل شواهد حيّة توثق المسيرة التاريخية للمدينة، فهذه الأسواق التي شُيّدت على مراحل متعاقبة، يعود عمر بعضها لأكثر من ثلاثمئة عام، وتضم ما يقارب خمسين سوقاً، صممت ضمن شبكة معمارية متناسقة، كثير منها مسقوف بالتوتياء أو الحجر لحماية المتسوقين من تقلبات الطقس.

وتتميز أسواق دمشق القديمة بتخصص واضح لكل سوق، حيث يرتبط اسمه بما يُعرض فيه، وفق عدرة الذي بين في أحد أبحاثه حول أسواق دمشق القديمة، أنه رغم تطور الزمن وتغيّر بعض المهن، ما زالت هذه الأسواق تحتفظ بجوهرها، فـسوق الحميدية مثلًا يعد الأشهر والأطول 600 متر × 15 متراً، ويتفرع عنه أسواق شهيرة مثل سوق الحرير وسوق النسوان، أما سوق مدحت باشا فيشتهر بالألبسة التقليدية والمناشف اليدوية.

وتتنوع المشاهد الأخرى في سوق البزورية الذي يعبق برائحة التوابل والحلويات والمكسرات، وسوق الصاغة المتميز بالمجوهرات، وسوق القباقبية الذي تحول من مركز لصناعة القباقيب إلى مساحة لعرض التحف والطوابع، وتبرز أيضاً، وفق عدرة، أسواق مثل السروجيةوهو الأقدم، حيث تأسس في الحقبة الأيوبية، وما زال يحتفظ بجزء من حرفته في صناعة سروج الخيل وزينة الإبل، والعصرونية الملاصق للحميدية، والمعروف بألعاب الأطفال ولوازم المطبخ، و المناخلية الذي كان مخصصاً لبيع المناخل قبل أن يتحول إلى مركز لمواد البناء المعدنية، والصاغة واشتهر ببيع المجوهرات.

ويؤكد عدرة أن قيمة هذه الأسواق تتجاوز البعد الاقتصادي، إذ تمثل فضاءً اجتماعياً يختلط فيه الزبائن والتجار من مختلف الأطياف، ضمن مشهد عمراني يعكس الطراز الروماني والإسلامي والعثماني المتعاقب، ومن هنا، تعتبرها منظمات مثل اليونيسكو جزءاً من التراث الإنساني العالمي.

وتبقى أسواق دمشق القديمة، كما يصفها عدرة، شاهدة على تاريخ المدينة وذاكرتها الحية، ورمزاً حضارياً عالمياً يرسّخ مكانة دمشق كإحدى أعرق مدن العالم، وجوهرة تراثية متجددة للأجيال القادمة، ومن هنا فإن الحفاظ عليها وترميمها، ودعم الحرف التقليدية وترويجها سياحياً وثقافياً، يشكّل ضرورة لضمان استمرارية الهوية الدمشقية الأصيلة.

شهادات تحفظ الذاكرة

يبين الباحث التاريخي الدمشقي الراحل قتيبة الشهابي في مؤلفه أسواق دمشق القديمة ومشيداتها التاريخية أن هذه الأسواق استمرت فاعلة عبر العصور الرومانية والإسلامية والمملوكية والعثمانية، رغم اندثار بعضها، وتحول بعضها إلى اختصاصات أخرى.

بينما توثق رسالة ماجستير للباحث نايف سعيد الجباعي أن هذه الأسواق، التي تضم أكثر من سبعين حرفة إلى جانب الصناعات المعدنية والخشبية والزجاجية تراوحت أطوالها بين بضعة أمتار ومئات الأمتار، وتتميز بتصميم يشبه المدن القديمة، حيث شكّلت بيئة اقتصادية غنية ومتنوعة، تتوزع بين الخانات والقيساريات خان صغير يضم دكاكين وورشات، وتتميّز بطابعها المعماري المغطى والأرض المرصوفة بالحجارة.

من الحرفة إلى الحكاية… هوية دمشق تختبئ في تفاصيل السوق

تواصل أسواق دمشق أداء دورها التاريخي كمراكز إنتاج وتبادل، حيث تندمج الحرف اليدوية مع النشاط التجاري المعاصر، مشكلةً مختبراً يومياً لذاكرة المدينة، تتجدد في شكلها لكنها تبقى ثابتة في جوهرها، وتؤكد أن هوية دمشق الحقيقية لا تزال حيّة في تفاصيل السوق.

تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب

دليلك الشامل لأحدث الأخبار

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Advertisement