منذ سنوات طويلة لم يعدها يأتي حمدان ، الذي يبلغ من العمر الستين إلى باب المقبرة الإسلامية ، فقد كان واحد من مئات يترقبون المناسبات الدينية أو الجنائز ، لقراءة سور من القرآن على القبور ، وأثناء الدفن وكانت تلك هي وتيرة الحياة نفسها ، التي كان يحياها حمدان .
ما يميز الأيام عن بعضها لديه ، هو ما يقبضه من صداقات المتصدقين ، حين زيارتهم القبور ويبدأ حمدان صباحه بجلوسه حتى آذان الظهر ، في زاوية من مدخل المقبرة وأحيانا يسمع صوته ، وهو يقرأ القرآن ، وحينما تصل مواكب الجنازات ، وتنشط الحركة في المقبرة يتقدم حمدان لقراءة القرآن عليه ، لترديد الأدعية بالرحمة والمغفرة للميت ، وبالصبر والسداد لأهله.
وفي المساء يحمل حمدان قفته ، التي تلازمه وتمكنه من جمع ما يحصل عليه ، حينما يحضر الدفن ويحمل أيضاً مظلته السوداء ، التي تحميه من الأمطار في الشتاء ومن شدة الشمس في الصيف ، ويرحل عن المقبرة سيراً على الأقدام ، وكأنه يسكن قريباً من المقبرة ، فلم يشاهد من قبل وهو يترقب وسيلة نقل.
وكان جيران حمدان يعدونه رجلاً له أهميته ، ويعدونه وسيطاً للحصول على قبر لعزيز أو صديق ، بل وعندما تقام في الحي ليال للذكر وتلاوة للقرآن ، يكون حمدان من جملة المدعوين .
لقاء مع السيدة ذات الخمار : ذات مساء وبينما حمدان عائداً إلى منزله ، استوقفته أمراه كانت تدلي على وجها بخمار وسألته : هل أنت الفقيه حمدان ؟ ، فقال لها : نعم أنا هو ، ماذا تريدين ؟ ، فقالت : أريد منك خدمة ، مقابل ألف درهم ، فقال : أي خدمة ؟ ، التفتت المرأة من حوله ثم اقتربت نحوه أكثر ، وقالت : أريد كف ميت والذي أرسلني إليك قال لي ، أنك الوحيد القادر على ذلك ، من بين كل الذين يعملون في المقبرة .
ابتعد عنها حمدان مسرعاً فظلت تلاحقه وتهدده ، بأنه أن لم يتوقف ستصرخ وتشيع عنه كذباً ، فتوقف حمدان وقال لها : أنك شيطانة ، اكدت السيدة على حمدان ، إنها ستعود له بعد أسبوع لتحصل منه على كف الميت ، وتركته ومضت إلى سيارة .
انس أم جن :
بعد أن رحلت السيدة ذات الخمار ساورت حمدان الشكوك حول تلك السيدة ، التي تطلب منه كف ميت ، هل هى أنس أم جن ، وظل يفكر حتى شعر بالدوار فتوكأ على مظلته السوداء ، وبدأ يقرأ من سورة الجن ، حتى وصل إلى منزله ، وهو يبدو خائر القوى ونام .
في صباح اليوم التالي آخذ حمدان وجهته إلى المقبرة ، كعادته وقبل أن يصل اليها توقفت بمحاذاته سيارة ، ورأى شاباً ينزل منها لم يكن قد رآه من قبل ، وأقترب منه وأمسك بحمدان وظل يحدق به ، ويوعده وقالت : أن لم تفعل ما قد طلب منك ، أعلم أن نهايتك قريبة .
حمدان يبلغ الشرطة :
جلس حمدان عند باب المقبرة وفكر ملياً في الأمر ، فهو يعلم أن للقبور حرمة يمنع انتهاكها ، ولن يغريه مبلغ الالف درهم التي عرضته تلك المرأة ، وظل يفكر حتى استقر رأيه على إبلاغ الشرطة عما حدث ، وهو متيقناً أن هذا الفعل سيستخدم في أعمال السحر.
فقد سمع كثير من تلك القصص ، والتي تسخر فيها أجزاء من الموتى ، في أعمال السحر والشعوذة ، وكان حمدان متيقناً أنه مراقباً فأخرج بورقة من حقيبته وبقلم ، وكتب كل ما حدث له ثم وضع الورقة في ظرف ، وطلب من زوجته أن تحملها إلى مركز الشرطة .
يد دمية بلاستيكية :
في اليوم التالي قصد حمدان طريقه إلى المقبرة ، وهناك جاء إليه رجل وأقترب منه وأبلغ حمدان أنه من الشرطة ، وأنه جاء بعد الاطلاع على تلك الرسالة التي حملتها زوجته إليهم ، وأعطى حمدان كيس بلاستيك وأخبر حمدان ، أن ذلك الكيس يحتوي على يد دمية من البلاستيك ، وعليه أن يسلمها إلى تلك المرأة وأخبر حمدان أنه سيكون تحت مراقبة ، رجال الشرطة .
تدخل الشرطة :
مر الأسبوع وحل اليوم المعلوم ، وعند مغادرة حمدان المقبرة جاء يسرع نحوه شابان ، وقالا له : أين هي الأمانة ؟ ، رد حمدان : هي معي ، وأدخل يده في القفة التي كان معه ، في الوقت ذاته توقفت سيارة أخرى ، ونزل منها رجلان وأسرعا بالركض نحوه ، وقالا : نحن من الشرطة ، فرفع الرجلان اللذان كانا يحيطان بحمدان ايديهما ، ولم يقاوما وفي البداية حاولا الاستنكار من تلك السيدة التي طلبت كف الميت ، ولكنهما اضطرا إلى الاعتراف لاحقاً ، بأنهما ينتمون إلى عصابة من المشعوذين .