صرحت الحكومة مؤخراً بأن توجهها لرفع أسعار مادة المازوت الموزع على القطاع الزراعي والمنشآت الصناعية الزراعية لا يهدف إلى تحقيق أرباح مالية وخبير اقتصادي يكشف السبب!

صرحت الحكومة مؤخراً بأن توجهها لرفع أسعار مادة المازوت الموزع على القطاع الزراعي والمنشآت الصناعية الزراعية لا يهدف إلى تحقيق أرباح مالية، ولكن الهدف النهائي للإجراء الحكومي هو زيادة كفاءة الإنفاق العام على المستوى الوطني ليتم تقليص العجز بالموازنة لإعادة ضخها في قنوات تنموية مناسبة سواء في تحسين الرواتب والأجور أو غيرها من القنوات.

رفع أسعار مادة المازوت

وحول هاتين النقطتين بالذات، أي كفاءة الإنفاق العام وتقليص عجز الموازنة تحدث الخبير الاقتصادي عامر شهدا بأنه من المفترض أن يسبق الحديث عن تقليص العجز أي حديث عن رفع الدعم، لآن الآليات الصحيحة لسياسة رفع الدعم تقتضي تحقيق وفورات في الموازنة العامة من أجل إحداث التوازن في معدلات الرواتب والأجور.

قد أدى عدم إحقاق هذا التوازن في الموازنة العامة إلى ارتفاع نسبة الفقر التي تعتبر من نتائج سياسة رفع الدعم، وبالذات اعتمادهن في رفع الدعم على قرارات متتالية لرفع الأسعار وهذه الارتفاعات أدت إلى ارتفاع التكاليف وبالتالي اضعاف قدرة الدخل على الاستهلاك والدخول بمرحلة الفقر المدقع، والإحصاءات تشير إلى أن 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر المدقع.

شهدا أوضح بأن ما يطرحه لا يعتبر بأي شكل من الأشكال انتقاد لعمل الحكومة، وإنما هو إشارة للطريق الصحيح لأجل تحقيق الأهداف النهائية التي صرحت عنها الحكومة وهي زيادة كفاءة الانفاق العام وتقليص عجز الموازنة.

لافت إلى أن حديث رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي عن ضرورة التفكير خارج الصندوق في معالجة الإشكاليات التي يعاني منها المواطنون، يستلزم عليه أن يوسع مساحة الصندوق إلى خارج مبنى رئاسة مجلس الوزراء ليصبح الحوار مع جميع الأطراف، وهذا يحتاج إلى سياسات حتى يتم الانتقال من اقتصاد تحت شعار اشتراكي إلى اقتصاد سوق حر مع لحظ عدم الغرق بالليبرالية بموضوع الانتقال كونه موضوع غير سهل أبداً وبحاجة لتوسيع دائرة الحوار.

لذلك لا يكمن الحل برفع أسعار المشتقات النفطية وإنما بإزالة العبء المتمثل بالتشابكات المالية ما بين مؤسسات الدولة، حيث أنه من غير المقبول تقليص العجز من خلال رفع الأسعار، وهنا نذكر القائمين على تقليص العجز بأن هناك القانون رقم /29/ لعام 2011 وما تلاه من تعديلات لمعالجة التشابكات المالية بين المؤسسات.

أما بخصوص زيادة كفاءة الإنفاق العام، يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا بأن هناك دلائل لعدم وجود إدارة للإنفاق العام وإلا ما كنا وصلنا لهذه النتائج، حيث أن كفاءة إدارة الانفاق العام تتعلق بأهم نقطة وهي الحد من الهدر، وتوجه الانفاق الحكومي للأقنية التي تعطي جدوى اقتصادية ولا تؤدي إلى مزيد من العجز بالموازنة.

يجب قبل الحديث عن زيادة كفاءة الانفاق العام، أن نجيب على سؤال هام وهو ما هي الأقنية التي خلقتها الحكومة من أجل رفع نسبة الموارد؟

مشير إلى أنه بغياب الموارد لا يمكن زيادة كفاءة الإنفاق العام، وهذا يعطي تصور أن هناك حرق لمراحل أو تخطي لخطوات المفروض أن تتخذ قبل هذه الطروحات.

شهدا قدم مثال عن كفاءة الإنفاق العام وهي مادة الخبز كونها المادة الاستهلاكية الأكبر بالسوق السورية، وبحسب المدير العام للتخطيط والاحصاء للشركة العامة للمطاحن فإن احصائيات استهلاك الخبز في العام 2009، قد سجلت أن الاحتياجات اليومية من مادة الخبز هي 3.2 مليون ربطة يومياً، وفي ذلك العام كان عدد السكان قد بلغ 23 مليون نسمة.

وفي العام 2020 وبحسب مدير السورية للمخابز فإن الاحتياج من الخبز قد بلغ خمسة ملايين ربطة يومياً، بالرغم من أن عدد السكان لا يتجاوز 13 مليون نسمة في عام 2020، باعتبار الأعداد الكبيرة التي هاجرت ونزحت، حيث سجلت إحصاءات الأمم المتحدة قرابة 7 مليون نازح ومهاجر، فيما هناك قرابة 3 مليون نسمة في المناطق خارج سيطرة الدولة في ذلك العام.

بالتالي يجب أن يجيب من يطالب بزيادة كفاءة الإنفاق العام، كيف أن احتياج 23 مليون نسمة في عام 2009 هو 2.3 مليون ربطة خبز يومياً، فيما ارتفع الاستهلاك إلى خمسة مليون ربطة يومياً في عام 2020 بينما عدد السكان انخفض إلى 13 مليون نسمة.

اعتبر شهدا أن الجواب واضح ويشير إلى سبب العجز في الموازنة وسوء كفاءة الإنفاق العام، وهو الهدر والفساد، يضيف شهدا مثال أخر حول استهلاك المواطن من القمح سنوي وهو 125 كيلو غرام بحسب بيانات الحكومة، أي أن الاحتياج السنوي يصل إلى 2.5 طن قمح، بينما كان وزير الزراعة قد صرح بأن حاجة البلاد من القمح وصلت إلى 3.2 مليون طن قمح في عام 2022، وبحسب دراسة الحكومة عن استهلاك المواطن من القمح (125 كيلو غرام سنوياً) ينتج لدينا بأن عدد سكان سوريا قد بلغ 25.6 مليون نسمة في عام 2022!

هذا كله ولم نحسب احتياجات المشتقات النفطية والسكر والرز وغيرها من المواطن، وهو ما يدل على تضارب كبير في البيانات الحكومية ويكشف عن حجم هائل في الهدر والفساد، ويمكن إثباته من خلال السجلات الحكومية نفسها، مشدد بأنه لا يوجد حكومة في العالم تتجه إلى جيوب المواطنين لسد العجز في الموازنة، ولا يوجد أي منطق اقتصادي في ذلك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم