سوريا الجديدة تستعد للمرحلة المقبلة بتركيزها على إعادة بناء مؤسساتها، وخاصة الاقتصادية، بعد انتهاء عهد آل الأسد، حيث أنه على الرغم من الطموحات العالية تواجه البلد تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة في المرحلة الانتقالية، ومن أبرز هذه التحديات ما أشار إليه تقرير البنك الدولي الصادر في أيار 2024، الذي يوضح أن 69% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعاني 27% منهم من الفقر المدقع، هذه الأرقام تعكس واقعًا اقتصاديًا يحتاج إلى حلول جذرية تعالج آثار السياسات السابقة وتعيد الأمل إلى الأسر السورية.
الهوية الاقتصادية لـ سوريا الجديدة
هناك حاجة لإصلاحات قانونية شاملة تدعم النهضة الاقتصادية. وقد بدأت حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير باتخاذ خطوات أولية لتعزيز الأجواء الاقتصادية، شملت تحرير سعر الصرف وتنظيم تداول النقد الأجنبي، إلى جانب قرارات أخرى تتعلق بتحسين الأنظمة الجمركية، هذه الخطوات تمهد الطريق لبناء اقتصاد أكثر استقرار ومرونة في سوريا الجديدة، وقد تكون تمهيد للهوية الاقتصادية الجديدة في سوريا التي يقول الخبراء إنها ستكون اقتصاد السوق الحرة.
مفهوم اقتصاد السوق الحر
اقتصاد السوق الحر هو نظام اقتصادي يعتمد على قوانين العرض والطلب لتحديد أسعار وكميات السلع والخدمات، حيث تكون الشركات والأفراد هم اللاعبين الرئيسيين في السوق، يعود هذا النظام إلى النظريات التي قدمها الاقتصاديون الكلاسيكيون، مثل آدم سميث وديفيد ريكاردو، الذين رسخوا مبادئ حرية التجارة وحقوق الملكية كركائز أساسية لاقتصاد السوق.
مميزات اقتصاد السوق الحر
يمتاز هذا النظام بمرونته وقدرته على دعم الابتكار، حيث يتيح للأفراد والمستثمرين فرصة تبني الأفكار المبتكرة وتنفيذها بحرية، هذا يساهم في خلق بيئة مواتية لجذب العمالة وتنشيط الاقتصاد، كما يتيح للسوق تلبية احتياجات المستهلكين من خلال تقديم منتجات وخدمات بأسعار تنافسية وجودة عالية، مع ضمان خيارات متعددة، مما يعزز من رفاهية الأفراد ويدعم الاقتصاد الوطني.
دروس مستفادة من تجارب الدول
أشار الاقتصادي الإنجليزي جون تشانج في كتابه ركل السلم بعيد.. إستراتيجيات التنمية والتطور قديم إلى أن الدول المتقدمة لم تتبنى السوق الحرة منذ البداية بشكل كامل، بل عمدت إلى وضع ضوابط لحماية اقتصادها الناشئ، سواء فيما يتعلق بحرية التجارة أو حركة رؤوس الأموال، ولم تنتقل إلى الحرية الكاملة إلا بعد بناء قدراتها الاقتصادية والصناعية.
نحو اقتصاد سوق حر في سوريا الجديدة
بالنظر إلى الحالة السورية بعد الثورة التي أطاحت بالطاغية بشار الأسد، فإن الانتقال نحو اقتصاد السوق الحر يبدو خيار واعد ومع ذلك يتطلب هذا الانتقال مراحل تدريجية لضمان استقرار الاقتصاد وتأهيل المجتمع للتكيف مع النظام الجديد.
ينبغي أن تركز هذه المراحل على بناء القدرات الإنتاجية الوطنية، وتحقيق توازن بين تشجيع القطاع الخاص وضمان دور للدولة في تنظيم الأسواق وحماية الفئات الأكثر تضرر بهذه الطريقة، يمكن لسوريا أن تحقق انتقال سلس نحو نظام اقتصادي أكثر كفاءة وعدالة.
خصوصية الحالة السورية
عانت سوريا، خلال فترة الحرب التي شنها نظام الأسد ضد الشعب السوري من تدهور اقتصادي حاد. تراجعت معدلات النمو، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 8 مليارات دولار بعد أن كان حوالي 61 مليار دولار في عام 2010، هذا الانهيار الاقتصادي جعل إعادة البناء والتنمية الاقتصادية تحديًا معقدًا يتطلب تخطيط محكم ورؤية طويلة الأمد.
في هذا السياق، أعلن رئيس غرفة تجارة دمشق، باسل الحموي، أن الحكومة السورية الجديدة تنوي تبني نموذج السوق الحرة ودمج البلاد في الاقتصاد العالمي، في تحول كبير عن النهج السابق الذي كان يعتمد على سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد. ورغم أن هذا التوجه يحمل آمالًا كبيرة لرجال الأعمال، إلا أنه يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق تنمية مستدامة في ظل الظروف الراهنة.
تحديات السوق الحرة في سوريا
يأتي هذا التحول في وقت تعاني فيه البلاد من نقص حاد في السلع والخدمات الأساسية، خاصة في المناطق التي تأثرت بشدة جراء سيطرة النظام السابق، بينما يميل التجار إلى التركيز على تحقيق أرباح سريعة عبر استيراد السلع أو التجارة في المنتجات المستوردة، فإن هذه النظرة قد لا تخدم الأهداف التنموية التي تحتاجها سوريا في مرحلة إعادة البناء.
ختاماً حسب خبراتنا في موقع دليلك نيوز الإخباري نوضح لكم أنه من المهم الإشارة إلى أن الاعتماد المفرط على المنتجات المستوردة يمكن أن يحول البلاد إلى مجرد سوق استهلاكية للمنتجات الأجنبية، مما يؤدي إلى ضعف القطاع الإنتاجي المحلي وعدم قدرته على المنافسة، هذا الوضع قد يدفع المنتجين المحليين إلى تقليص نشاطهم الإنتاجي بسبب التكاليف المرتفعة وضعف العائدات.